الرواية العجيبة فعلا.
الأمر الأول أن تختارها مصادفة وبشكل عشوائي بدون أي معرفة أو نصيحة مسبقة من صديق.
الأمر الثاني أن تكون من دار لا تعرف تماما نوعية وجودة الترجمات لديهم فهي تجربة أولى، مع رواية حسب ما هو مكتوب خلفها رواية روسية كلاسيكية.
الأمر الثالث، أن تصل إلى دار النشر وتجد تلك الرواية التي تريدها لكنك تتفاجأ أنها مقسمة على جزئين وأن عدد صفحاتها يزيد على 800 صفحة. هذا يكسر كل قوانين معرض الكتاب التي حددتها مسبقا والتي تتضمن أن لا يزيد حجم أي رواية عن 250 صفحة حتى تتمكن من قراءتها بسهولة بدون تكلف، لكنني مكرهاً اقتنيتها لأنني سألت صاحب الدار عنها وناقشته بشيء من تفاصيلها ولم أحب أن أخرج خالي الوفاض منها.
الأمر الرابع أن تكون الرواية كتبت قبل أكثر من 150 عاماً، وللأمانة كنت أتوقع لها أن تكون سطحية كثيراً وساذجة كثيراً.
الأمر الخامس الغلاف، يُبعدك عن الرواية لا يجذبك لها !
تجاوزت عن كل هذه الأمور واقتنيت الرواية وبدأت في قراءتها.
مع الصفحات الأولى تماما اندمجت، شكرت الدار على ترجمتها وشكرت المترجم على مجهوده الواضح وشكرت المؤلف على أسلوبه ومضيت مع أبلوموف وكسله وعزبته وآراءه واستمرت القراءة معي أكثر من أسبوع بقليل حتى أنهيتها معجبا بها!
لا، ليست رواية مكتوبة في القرن التاسع عشر، بل هي رواية انسانية بامتياز. وليست رواية شحيحة التفاصيل والأحداث والأفكار رتيبة مملة ساذجة كما تجده أحيانا في روايات كتبت قبل عشرين أو ثلاثين سنة ، بل متنوعة في الأسلوب ومبدعة في الأفكار، وتجعلني أتساءل كيف لدى شخص القدرة أن يكتب ما يبقى لكل هذه الفترة الطويلة فتتلقفه يد شخص آخر من لغة مختلفة وثقافة مغايرة ولا يجد صعوبة في فهم ما يرمي إليه المؤلف أو يشعر ويحس بما يعتري أبطال الرواية من تقلبات وأحداث عاطفية.
الرواية تحكي عن أبلوموف وحياته، طفولته، إدارته لعزبته، حكايته العاطفية، ثم التعقيدات التي حدثت وأجبرته على الإنتقال وعدم السفر.
يقول بطلنا أبلوموف حين يتحدث عن الرغبة والسعادة
( في يوم ما ترغب بشيء، وفي اليوم التالي ستحصل على ما رغبت به بشكل محموم، وفي اليوم اللاحق ستخجل من فكرة الرغبة فيه، ثم تلعن الحياة لأنها تحققت – ذلك ما يحصل من خطواتك الغافلة والمستقلة داخل الحياة، ومن كلمتك العنيدة أنا أرغب. على الإنسان أن يشق طريقه عبر الحياة: يجب أن يغلق عينيه للعديد من الأشياء ولا يحلم بالسعادة ولا يجرؤ على الدمدمة حين تهرب منه – تلك هي الحياة!)
ويقول أيضا حين يتذمر من أولئك الذين يجتمعون كل يوم لمناقشة جميع أخبار العالم كأنهم المعنيين فيها تماما كما يحدث اليوم في عالمنا
( ذلك الرجل النبيل ذو النظارات والوجه الشاحب ظل يسألني إن كنت قد قرأت کلام المندوب الفرنسي، وحملق في حين أخبرته بأني لم أقرأ الصحف. وظل يتكلم ويتكلم حول لوي فيليب كأنه أبوه. ثم ظل يضايقني ليخبرني لماذا ترك السفير الفرنسي روما. هل تتوقع مني أن أحمل نفسي يومياً بأخبار العالمالجديدة ثم أنادي بها كل أسبوع إلى أن تنتشر؟ اليوم قام محمد علي بإرسال سفينة إلى القسطنطينية، والآن يجهد ذهنه متسائلا عن السبب. غدا يتوقف دون کارلوس عن التقدم وهو قلق جداً. هنا يحفرون قناة، وهناك كتيبة من القوات أرسلت إلى الشرق. يا إلهي، إنها الحرب! يبدو عليه القلق الشديد، إنه يجري،ويصيح، كأن الجيش كان يسير ضدھ شخصياً. إنهم يجادلون ويناقشون كل شيء ، كل وجهة نظر ممكنة، لكنهم ضجرون، ولا يهتمون حقأ بالأمر كله. تستطيع أن ترى بأنهم سريعو النوم على الرغم من صيحاتهم! الأمر برمته لا يهمهم. كأنهم تجولوا بقبعات مستعارة. ما من شيء لديهم، لذا يبددون طاقاتهم في أنحاءالمكان دون أن يحاولوا أن يستهدفوا أي شيء خصوصا. عمومية شؤونهم تخفي الفراغ والغياب الكامل للتعاطف مع كل شيء! اختيار المسار الأشد تواضعاً للعمل الشاق وتتبعه، وحفر قناة عميقة، هو أمر رتیب لا يبعث على الفخر. ومعرفة كل شيء ستكون بلا فائدة ولن يكون هناك أحد لكي تؤثر فيه! )
عنوان الرواية: أبلوموف
المؤلف: إيفان غونتشاروف
ترجمة: نجاح الجبيلي
دار النشر: الرافدين
الطبعة الأولى 2018
التصنيفات :القراءة