لا، لن أتحدث عن أجواء رمضان أثناء الحرب العالمية الأولى فلم تثتح لي الفرصة حقيقة لأعيش في ذلك الزمان، بل حديثي عن روايتين تتحدثان عن الحرب العالمية الاولى قرأتهما في رمضان، أحداهما رمضان العام الماضي والأخرى رمضان الحالي.
المصادفة وحدهما من جمعتني بهذين الكتابين في هذا التوقيت.
أما الرواية الأولى فهي، كل شيء هادئ في الميدان الغربي للألماني اريك ماريا ريمارك (صدرت 1929)، والرواية الثانية بعنوان، شيء من الهواء المنعش للإنجليزي جورج أورويل (صدرت 1939).
الرواية الأولى أعجبت وتأثرت بها كثيرا رغم قلة عدد صفحاتها، أقل من 200 صفحة. والثانية في طريقي للإعجاب بها، يكفي أنها بقلم أحد كتابي المفضلين.
الروايتين تتحدثان عن نفس الحدث، الحرب العالمية الأولى، بنفس الطريقة، أي عما تسببه الحرب من ويلات وفقد لمعنى الحياة، لكن كل كاتب يكتب من جهة مختلفة، هذا يتحدث عن مجند ألماني وذلك يتحدث عن مجند انجليزي.
الروايتين تتحدثان عن القرية، عن الأم، عن الخسارة، عن الأصدقاء، عن الكتب، عن معنى الحياة، وقيمة الإنسان فيها.
الروايتين تتحدثان عن الشيء نفسه، عن الألم نفسه، عن الفقد نفسه وعن الحياة نفسها، لكنهما يتحدثان بلسان مختلف.
قرأت الرواية الأولى العام الماضي في رمضان، بسبب صغر حجمها ومناسبتها في اعتقادي للأجواء الرمضانية.
الآن أقرأ الرواية الثانية في رمضان أيضاً، وهي وإن كانت أشمل قليلا وتغطي رقعة زمنية أكبر فهي حيث تتحدث عن طفولة بطل القصة قبل الحرب، ثم ظروف الحرب، وتنتهي ببدايات الحرب العالمية الثانية، لكنها في حديثها عن الحرب العالمية الأولى تشابه تلك الرواية. كأن الزمن يرجع بي مرة أخرى للعام الماضي لأقرأ عن نفس الموضوع بنفس الأسلوب ونفس الأفكار.
تناول الألماني الأحداث بحزن، بينما الإنجليزي بسخرية.
تحدث الألماني عن الكتب، وقال حين عاد من الجبهة ودخل مكتبة منزله:
جعلت أتطلع الى الكتب وأتوسل اليها بعيني أن تتكلم ، وأن تضمني اليها، انتظرت طويلا، وجعلت الصور والذكريات تتسابق في ذهنی ، لكنها كانت أشباحا عارضة لا تلبث أن تختفي.
ولم يهبط علي الاحساس الذي كنت أنتظره
ساورنی القلق وأحست بأني غريب عن هذا المكان
ولم أستطع أن أستعيد طريقي اليه. وألفيتني مقصيا عنه، وإن رحت أبذل ما أملك من جهد للاندماج فيه والعودة اليه،
جلست مکانی جامدا، وانطوت صحائف الماضي امام نظري
ولما ضاق صدری نهضت وتناولت كتابا بقصد المطالعة فيه، ورحت أقلب صحائفه لكني لم ألبث أن ألقيته وتناولت غيره وجعلت أقلب الكتب والصحف والمجلات واحدا بعد الآخر دون أن أستقر عند واحد أو يستهويني منها شيء
ووقفت في مكاني صامتا منقبض النفس
لم تتضمن بطون الكتب والمجلات سوى مجرد كلمات أمام نظری، ولم تصل إلى أعماق نفسي أو تنفذ إلى وجدانی
وأخيرا أعدتها الى مكانها يائسا قانطا ثم غادرت الغرفة إلى غير رجعة
أما الإنجليزي فالحرب ساعدته على أن يقرأ كثيرا في ذلك الكوخ التابع للجيش في الجانب الغربي من البلاد، منسياً، لكنه قال حين يلخص لتلك الفترة:
كل هذا كان غريبا في الواقع. كنت أستغرب كيف صرت ضابطا وتخلصت تقريباً من لهجتي المحلية، وصرت أميز بين آرلوند بيمينت وإلينيور غرين، أنا من كنتُ قبل أربع سنوات من ذلك، أقطع الجبن خلف المنضدة، وأقصى أحلامي هو أن أفتح متجري ذات يوم. ومهما يكن، فعلي أن أعترف بأن الحرب إن كانت أساءت إليّ، فهي قد أحسنت إليّ أيضا. وعلى كل حال، فهذه السنة التي أمضيتها في قراءة الروايات كانت هي التعليم الأهم – أقصد التعلم من الكتب – الذي تلقيته في حياتي. فقد غيرني بمعنی من المعاني. ثقف عقلي، وأكسبني القدرة على طرح أسئلة ما كنت لأطرحها لو أن حياتي اتبعت منحاها العادي. لكن – وأتساءل ما إذا کنتم قادرين على فهم هذا الأمر – الشيء الذي غيرني حقا، وترك بصمته علي، ليست قراءة هذا الكم من الكتب، بل الحياة العبثية التي كنت أعيشها حينذاك.
نسخة رواية كل شيء هادئ في الميدان الغربي التي لدي هي من اصدارات الهلال طبعة 1981 ، ويبدو أنه لا توجد طبعة أخرى أو ترجمة حديثة للرواية. بينما رواية شيء من الهواء المنعش من إصدار المركز الثقافي العربي، توجد ترجمة أخرى للرواية بعنوان الصعود إلى الهواء من دار الفارابي، لكن بعد اطلاع سريع عليها لا تبدو الترجمة بجودة ترجمة المركز الثقافي العربي.
التصنيفات :القراءة