بعيداً عن القراءة

تعرفت على القراءة في مكة

لا يوجد تاريخ محدد يستطيع الإنسان من خلاله أن يعرِّف نفسه بأنه بدأ به القراءة أو أحبها أو أصبح من مدمنيها، قد تكون لحظات ومواقف تراكمت مع الزمن ثم شكلت ذلك الشخص الهاوي للقراءة.

لكنني أملك لحظة أتذكرها تماماً وأذكر أنها من الأسباب التي دفعتني للغرق في القراءة وعالمها.

أما المكان فهو مكة المكرمة، وأما الكتاب فهو صور وخواطر لعلي الطنطاوي، وأما الزمان فلا أذكره لكنه بالتأكيد قبل أكثر من عشرين عاماً.

كانت تنتشر حول الحرم المكي الكثير من المكتبات والمحلات والتي أُزيلت الآن بالكامل مع التوسعات الجديدة للحرم والفنادق المحيطة به. وفي يوم من الأيام الصيفية الحارة حيث تعودنا قضاء أيام من الإجازة الصيفية في مكة والمدينة، كنت أمشي لوحدي بجانب تلك المحلات والمكتبات أمتع نظري بما يوجد على واجهتها من مختلف البضائع أو الكتب. توقفت عند أحد المكتبات، نظرت للكتب المعروضة على الأرض وشدني كتاب بسبب لون غلافه المختلف عن بقية الكتب المحيطة به، كل الكتب تقريباً كانت كتب دينية فقهية مجلدات متشابهة الشكل واللون إلا ذلك الكتاب الملون وعنوانه صور وخواطر بقلم علي الطنطاوي والذي لم أكن أعرفه وقتها. أخذت الكتاب أتصفحه ووقعت عيني على مقالة بعنوان تسعة قروش قرأت أول صفحة فيها وكانت كالتالي؛

((من أسبوعين ابتليت من أولادي ببلية، هي أني كلما دخلت الدار تعلقوا بي طالبين تمثال العبد الأسود ذي الطربوش الأحمر. وأنا لا أدري ما هذا التمثال، ولا أعرف من أين آتيهم به، وهم يلحون لا يشغلهم عنه شيء من غالي اللعب، ونادر الطرف، حتى كرّهوا إليّ البقاء في البيت …
وكنت مرة خارجاً إلى عملي مستعجلا، فوجدت بائعاً يحمل هذه التماثيل، ينادي “الواحد بقرش” ففرحت به فرح الضال في البادية يرى معالم الطريق، واشتريت تمثالين وحملتها معتزاً بها كأني أحمل کنزاً، وعدت بها حتى إذا دنوت من الدار وجدت ولدين صغيرين قاعدين في ظل جدار، فلما أبصرا التمثالين برقت عيناهما، ودنا رأساهما في همس، وارتفعت يداهما في إشارة خفية متهيبة، وشخص بصراهما كما يفعل شابان غريران طلعت عليها من الطريق فتاة فتانة .. وقاما فتبعاني وعيونها معلقة بالتماثيل، فلما رأيت ذلك منهما فكرت أن أدفعها إليهما. ولكني خشيت أن أرجع فلا أرى البائع، وتخيلت رغبة أولادي فيها، فلم تطب نفسي أن أحرمهم هذه المتعة، ولم أستطع الإعراض عن الولدين الفقيرين فدعوتهما فدفعت إليهما قرشين، وقلت لهما:
هو ذا البائع، فالحقاه اشتري مثلهما. الواحد بقرش!))

جذبني الأسلوب تماماً بل إنني أحببته ودفعني لاقتناء الكتاب، وقمت بقراءته مع مرور الأيام. هذا الكتاب فتح لي عالمين؛ عالم علي الطنطاوي وفي اعتقادي أنني قرأت جميع إصداراته، وعالم القراءة، لو قرأت لعلي الطنطاوي فإنك بالتأكيد مررت خلال قراءتك له بالكثير من عناوين الكتب التي قرأها أو الشخصيات التي تحدث عنها أو الأحداث التاريخية التي عاصرها أو ذكرها وبالتالي سيدفعك الفضول لتقرأ المزيد وتبحث عن المزيد.

حينها لم يحدثني أحد عن علي الطنطاوي أو ينصحني به ويعرّفني عليه، بل تعرفت عليه بنفسي من خلال كتبه، كلما قرأت أكثر عرفت أكثر.

ولازالت نصيحتي لمن يرغب بتجربة القراءة أن يبدأ بكتب علي الطنطاوي، فأسلوبه سهل وأحاديثه ممتعة. رحمه الله.

التصنيفات :بعيداً عن القراءة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.