بعيداً عن القراءة

بعيداً عن القراءة: أكمل الفراغ

الحديث هنا عن فراغ الموت.

لا أعتقد أنه يوجد من يحب الحديث عن الموت، لكن هذه المرة دفعني ما حولي للحديث عنه.

مؤخراً، حدثت الكثير من الوفيات من حولي، تقريباً أكثر من عشر وفيات سواء في منطقتي حيث أسكن أو بين مجتمع العمل.

موظفة توفي زوجها الثلاثيني في مرض. موظف توفي جده، أم عشرينية لأربع أطفال توفيت في حادث سيارة، طفلين في حادث حريق، شاب اربعيني يموت لسبب غامض. ربة منزل خمسينية تنام ولا تنهض، وآخرين لا تحضرني أسباب وفاتهم. لكنني أدعو لهم جميعاً بالرحمة.

كل هذه الوفيات حدثت في ظرف ثلاثة أسابيع.

كلهم اختفوا فجأة من الحياة وتركوا خلفهم فراغاً وحزناً في قلوب الآخرين.

كمية الفراغات التي تركوها يصعب تعويضها. كمية القصص التي ذهبوا بها كثيرة لا يعلمها أحد. تلك اللحظة الأخيرة في الحياة كيف كانت؟ لا أحد يعلم.

في اليوم التالي لوفاة كل واحد منهم، من سيملأ فراغ وجوده السابق؟ من سيرسل الرسالة التي تعود أن يرسلها كل يوم أو يستمع لذلك الشخص التي تعود أن يسمع له كل يوم؟ لمن سيشتكي؟

فراغٌ هائل في تلك البيوت العشرة التي حدثت فيها الوفيات، فراغٌ تكون في الأجواء المحيطة بهم من حولهم، وندبة حزن في قلوب أقرب الناس لهم.

أستغرب أحياناً من إقامتنا لخيم العزاء واستقبالنا للمعزين من كل مكان، بل من كل جيل! يأتي الصغير والكبير، القريب والبعيد، الرجل والمرأة، يأتون كلهم ليعزوا. ليودعوا شخصاً غادر الحياة. بينما لو ولد مولود في ذلك اليوم، لاكتفي الأقربون فقط بالتهنئة، وفي الغالب كانوا من المهنئات لا المهنئين. لا خيم لاستقبال هذا الضيف الجديد على الحياة، لا البعيد يعلم ولا الكل يعلم.

يأتي هذا المولود ليكون نصّاً يملأُ فيه فراغ من رحل، لكن مجيئه وحفل استقباله مختلف تماماً عن وداع من رحل. ويبدو أن هذه هي الحياة.

التصنيفات :بعيداً عن القراءة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.