من الأمور التي تشغل بال القارئ في أحيانٍ كثيرة السؤال التقليدي، ماذا أقرأ؟ وفي الغالب تستطيع معرفة توجه الشخص واهتماماته من خلال إجابته لهذا السؤال ومعرفتك ماذا يقرأ، فمن يقرأ في الفلسفة فهو مهتم بالفلسفة ومن يقرأ في العلوم فهو مهتم في العلوم.. إلخ.
لكنه هناك فئة حين تنظر إلى مجموع قراءاتهم فإنك بطريقة أو بأخرى تعجز عن فهم من هُم أو ما هو الاهتمام أو المجال الذي يقود قراءاتهم.
تتشابه هذه الفئة تماماً في نوعية الكتب التي تقرؤها، فلو نظرت إلى قائمتهم الخاصة بمعرض الكتاب تجدها متشابهة تقريباً. ولو دققت قليلاً في العناوين فلا يجمع بينها رابط معين. فدور كتب معينة هي التي تأتي دائماً في المقدمة، ولو حدث وأصدر كاتب من الكتاب المقدسين لديهم كتاباً أو اصداراً جديداً فهو أيضاً في المقدمة، وهناك سلسلة كتب أو روايات لو كثر الحديث عنها مؤخراً فهي أيضاً في المقدمة، وهكذا.
كذلك لو نظرت إلى ما تمت قراءته هذا العام لهذه المجموعة فستجد العناوين تدور في فلك واحد لا تخرج منه إلا فيما ندر. نفس الروايات، نفس الكتب الغير خيالية، أحياناً نفس السير الذاتية أو الكتب التاريخية، كلها متشابهة ولا يختلفون كثيراً عن بعض. لكنك في نفس الوقت تعجز عن تصنيف أي واحد منهم في فئة ما كقارئ في الفلسفة أو السياسة أو غيره.
طبعاً حين أتحدث عنهم فإنني بطريقة أو بأخرى منهم فلا مجال هنا للغيبة أو ما شابه.
هؤلاء القراء المتشابهين والغير مصنفين يتشاركون الاهتمامات التي قد اسميها إعلامية، فتجدهم في عدة منصات وشبكات اجتماعية يتابعون بعضهم البعض ويتابعون نفس المصادر الأخرى التي قد يستقون منها نصائح الكتب، ككاتب مشهور أو دور نشر معينة أو حتى أي شخصية معتبرة تساهم أراءها في زيادة مبيعات كتاب ما لأنه أُعجب به.
يُذكرني هؤلاء الأشخاص بمحب السينما والذي يشاهد الأفلام دائماً في صالات السينما لكن لو تتبعت الأفلام التي يُشاهدها فلن تجد بينها أي رابط يُشير إلى ذائقته أو اهتماماته الفنية، فلن تستطيع القول أنه من محبي الأكشن أو عاشقي الدراما أو حتى الرعب، لكن لو أُتيح لك في يوم من الأيام وخرجت معه لمشاهدة فيلم في السينما فستكتشف أنه حين تسأله موظفة التذاكر عن الفيلم الذي يود حضوره بأنه يكتفي بالإشارة إلى بوستر الفيلم الرئيسي. وهكذا كل أسبوع يشير إلى الفيلم الرئيسي فينتهي به الحال لمشاهدة أكثر من خمسين فليماً في السينما لكنه في النهاية بلا هوية فنية، مجرد مستمتع ومشاهد. وهكذا الحال مع هؤلاء القراء، مع كثرة قراءاتهم لكنهم يدورون في فلك يجهلون هويتهم فيه ويعرفون أنفسهم بفعل القراءة نفسه بقولهم، أنا قارئ.
التصنيفات :دليل القارئ