بعيداً عن القراءة

فوضى الإحساس بالوقت

تملكني نوعٌ من الغضب حين اقتحمت سيارةٌ مساري في طريقي إلى العمل مما تسبب في تأخر عبوري للإشارة الخضراء وبالتالي اضطررت للإنتظار عند الإشارة الحمراء مرة أخرى لمدة تجاوزت الدقيقتين، كان هذا حالي صباح اليوم من إشارة مرورية إلى أخرى حتى وصلت إلى مقر العمل، كنتُ قلقاً متوتراً أنظر إلى الساعة وأتاكد من أنني لم أتأخر بعد. خلال ذلك التوتر والإنتظار والقلق والذي تسببت فيه سياراتٌ أخرى حسب ادعائي برز سؤال في ذهني، من الذي تسبب بشعورنا بالقلق تجاه الوقت؟
لا أظن أنه حتى الماضي القريب (أجدادنا كمثال) كان لدى الناس هذا القلق تجاه الوقت وما يحتويه من دقائق وثواني، ولم يوجد ذلك الحرص على دقة المواعيد في المهام التي يُنجزونها. أتخيل أن الوقت كان كائناً متماسكاً بشكل أكبر مقسماً بشكل رئيسي حسب أوقات الصلوات، بعد الفجر، قبل الظهر، بعد العصر …إلخ
وأتخيل أيضاً أن الحياة كانت أبطأ بكثير مما هي عليه اليوم، بل قد أدعي أن الأحداث التي أتمكن من معرفتها ومشاهدتها خلال يوم واحد تتجاوز سنوات كثيرة ما شهده أولئك الناس في حياتهم.
قد يكون تنظيم الوقت ضرورة في ظل الحياة الحديثة وما تتطلبه من تقسيم للوقت إلى دقائق وثواني، لكنني أحسست بقلق تجاه نفسي أن تستشعر الوقت بتوتر في ساعات الصباح الأولى، ولا أتخيل ما الذي سيكون عليه حالي في منتصف ونهاية اليوم، لو كانت بدايته قلق وتوتر من أجل الوقت.
الإحساس بالوقت يتعرض لطعنة أخرى من وسائل التواصل الاجتماعي، هذه المرة عكسية، فبإمكانك اليوم أن تتخلص من ساعة من حياتك بكل بساطة لو فتحت أي تطبيق وتابعت ما يحدث فيه. في نهاية هذه الساعة ستكتشف أنك لم تفعل أي شيء سوى الجلوس والتقلب بين مختلف المقاطع (في ساعة تستطيع بسهولة مشاهدة أكثر من 120 مقطع مختلف).
أستطيع مقارنة هذه الساعة الضائعة بساعة أخرى مفيدة أكثر تقضيها في مهمة يكون مردودها إيجابياً على حياتك (رياضة، تعلم، طبخ، تنظيف منزل، قراءة، مساعدة صديق، ممارسة هواية كالرسم وغيره، إلخ) لكن بكل بساطة تم التخلي عن تلك الساعة بلا سبب.
بالطبع لا أدعو أو أدعي المثالية وأنصح بالاستفادة من كل الأوقات في حياتنا، لكنني أشعر أن نظرتنا وتعاملنا مع الوقت أصبح غريباً حين نتوتر لدقائق في ازدحام الصباح، أو حين نحرص على تسليم مشروع ما في موعده المحدد، أو حضور موعد الطبيب قبلها بخمسة عشر دقيقة، والانزعاج لو كانت عيادة الطبيب مزدحمة، كل هذه المشاعر تولدها لحظات الانتظار تقابلها لحظات كثيرة للغاية نهدرها من حياتنا بدون نفس الشعور بالقلق، ساعات طويلة حول التواصل الاجتماعي لمشاهدة ما يفعله الآخرون واحياناً للتفاعل معهم، بل وأحياناً في لوم النفس لعدم تمكننا من الوصول لتلك الحالة التي وصل لها الآخرون.

التصنيفات :بعيداً عن القراءة

5 إجابات »

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.