
كتاب للإيراني علي شريعتي. وهو في الأصل محاضرة باللغة الفارسية (1970) تم تفريغها في كتاب. النسخة التي لدي من ترجمة حيدر نجف وإصدار دار الانتشار العربي وتقع في 76 صفحة.
يتحدث الكتاب عن المستنير ودوره في المجتمع. يبدأ في البداية بتعريف المستنير (وفي ترجمة أخرى للكتاب يتم تعريفه بالمثقف) والفرق بينه وبين المتعلم، المتعلم هو ما نعرفه حالياً بحامل الشهادة والتي وتتطلب مهنته إعمال العقل أكثر من الجسد، كالمعلم والقاضي، ويقابله العامل، والذي تتطلب مهنته العمل الجسدي بنسبة أكثر، كعامل البناء والمزراع وغيره. أما المستنير (أو المثقف) فهو:
الأشخاص الذين لا يرتضون الحدود والقيود والتوقف والمراوحة ولا يفكرون بطريقة جامدة، بل يفكرون بطريقة نيرة منفتحة، ويشخصون زمانهم وموقعهم وموقع بلادهم والقضايا المطروحة في مجتمعهم، ويمكنهم تحليلها وصوغ الأدلة والبراهين حولها وتفهيمها للآخرين. هؤلاء هم المستنيرون.
خلافاً لذلك الشخص الذي تنتصب أمامه كل هذه القضايا وتطرح في مجتمعه وحياته لكنه لا يفهمها ولا يدري أنها ذات صلة بحياته ولا يتفطن إلى أن لها علاقة علية بوضعه. إنه لا يدرك كل هذا ويقول لا علاقة لها بي، والحال أن لها علاقة مباشرة به. هذا الشخص ليس مستنيراً.
يشير شريعتي في محاضرته هذه إلى أن ولادة المستنير كانت طبيعية في العالم الغربي وبفعل احتياجات حقيقية عاشتها المجتمعات الأوروبية طوال قرون، وذلك على العكس من ولادته في المجتمع الإيراني حيث أريد له أن يكون نسخة وتقليداً لما حدث في العالم الغربي وأوروبا، فهو يمتدح المستنير الأوروبي ودوره بينا ينقد نظيره الإيراني ويعتبر مهمته أشبه بعملية التمهيد لوفود الثقافة الغربية الرامية إلى الهيمنة على البلاد الضعيفة وتكريس استعارها ونسف موروثها الثقافي.
يسوق شريعتي في محاضرته هذه مثالاً لافتاً للبرهنة على عدم جدوى التقليد السطحي لمن هم أرفع منا مرتبة في السلم الحضاري في مقابل جدوى النهضة الفكرية الأصيلة وقدراتها الهائلة على التغيير الإيجابي. ويأتي بهذا المثال في صيغة مقارنة بين حضارتي الغساسنة والحيرة من جهة وبين الانبعاث الإسلامي في يثرب من جهة أخرى. فالغساسنة كانوا متأثرين ومتشبهين بالروم، وملوك الحيرة تأثروا وتشبهوا بالملوك الساسانيين. وقد كان هذا التشبه حسب شريعتي من منطلق عقدة الدونية وبشكل مفرط فاق في مظاهره وزخارفه حتى المتشبه به، أي إن قصري الخورنق والسدير اللذين شيدهما ملوك الحيرة مثلاً فاقا في عظمتها حتى قصور الملوك رأيه. الأصالة والجذور العميقة ولأنها كانتا مجرد نزوة تقليد وانبهار بالآخر، في الشام والعراق بالاندثار والانهيار لافتقادهما عناصر ا الساسانيين أنفسهم وسرعان ما انتهت كلا التجربتين بينا قيض لتجربة الإسلام في يثرب خلال عهد النبي ﷺ وما بعد ذلك، رغم بساطة العيش هناك، أن تبقى وتستمر بل وتفتح بلداناً وامبراطوريات واسعة، وتكون مصدر إشعاع حضاري وعلمي حقيقي بقي عصياً على التحديات والزوابع طوال قرون من الزمن. وهكذا هو حال المستنير عندما يكون مستعاراً مقلداً وحينها يكون أصيلاً يهتم بالجوهر دون المظهر وتنطلق خطواته من صميم احتياجات مجتمعه وثقافته.
لا أعلم ما هي الظروف أو ما هو السياق التي ألقيت فيه هذه المحاضرة، لكنني ممتن لاطلاعي عليها وأشكر الشخص الذي قرأت تغريدته يوماً ما بحتمية قراءة هذا الكتاب لعلي شريعتي.
كتاب يستحق القراءة لو كنت مستنيراً.
التصنيفات :القراءة