
التقيت بشكل عابر بشخصٍ يعرفني ولا أعرفه، يكبرني بالسن كثيراً ، يعرف أبي لو أردنا الدقة. بعد الترحيب والسلام والتعبير عن المفاجأة أو الصدفة اللطيفة التي جمعتنا هنا في هذا المكان البعيد للغاية عن مسقط رأسنا، وبعد سؤاله عن حالي تساءل عن سبب وجودي هنا أو إن كنتُ بصحبة أحدهم فأخبرته بأنني هنا لأقرأ كتاباً (مذكرات الأرقش المذكورة في المقال السابق)، فتهللت أساريره أكثر وأكثر وسألني إن كنتُ قد اطلعت على كتابه المنشور مؤخراً (كتابٌ في القانون على ما يبدو)، لكنني نفيت معرفتي بالكتاب، فبادر بإعطائي رقم هاتفه لأتمكن من التواصل معه لاحقاً والحصول على نسخة من هذا الكتاب.
وبعد أن رحل وخلوت بنفسي تساءلت من منّا هو القارئ؟
في معرض كتاب أقيم مؤخراً، وخلال زياراتي المتعددة، لاحظت ازدحاماً مستمراً عند دار نشرٍ معينة بسبب وجود أحد المشاهير وقد كان يوقع نسخاً من كتبه العديدة المنشورة. ازدحام تقابله شكوى متكررة من دور نشر أخرى عن ضعف الإقبال على كتبهم، مع أن ما تحتويه هذه الدور يستحق القراءة.
أكاد أجزم أن ما باعه “المشهور” في المعرض يفوق كل ما باعه دوستويفسكي وتولستوي ونجيب محفوظ وكافكا وحتى محمد النعاس الفائز بالبوكر هذا العام في المعرض مجتمعين.
أولئك الذين اشتروا كتب “المشهور”، بالتأكيد سيقرؤونها وسيكون الفعل حينها فعل قراءة تماماً كما سيفعل من سيقرأ كتاب القانون للشخص الذي التقيته في المقهى.
ولو حدث واجتمعتَ مع قارئ كتاب القانون، وقارئ كتاب المشهور، وقارئ مثلي للروايات، وأحد الأشخاص المتعلقين بكتب التراث، وكنا جميعاً في مكان واحد، ووصف كل واحد منهم نفسه بأنه شخص قارئ محب للكتب. هل سيكون الوصف صحيحاً مقبولاً ونستطيع بالتالي وضعهم في سلة واحدة حين نخاطبهم بمعشر القراء؟ أم لكل واحدٍ منهم صفته القرائية الخاصة؟
أعلم يقينًا أن الاختلاف موجود بين البشر، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع. لكن ما يكتبه بعض الأشخاص من كتابات، ويتهافت عليه بعض أنواع القراء، يرسم صورة باهتة لمشهد القراءة، أو ما قد تتوقعه من قارئ.
القراءة، بالإضافة إلى كونها فعل فردي يتطلب الانعزال والهدوء، تضيف لصاحبها هالة من نوع خاص لا تجدها عند من لا يقرأ. قد يكون ما يميزه التأمل، أو عمق التفكير، أو النظر للأمور بطريقة مختلفة، لكن أن تصبح القراءة طقساً اجتماعياً لا يتم إلا بوجود الآخرين فهناك خللٌ ما في ممارسة القراءة. اقرأ أي سيرة من سير الأدباء المعروفين، وستجد القراءة تتمحور حول الذات و الأنا، وليست معلقة باهتمامات الآخرين وتوجهاتهم.
لستُ هنا لأعِظ وأقول بأنني قارئ أو لستُ بقارئ، هي مجرد أفكار عبرت فالتقطتها وأحببتُ أن أسطرها هنا على الورق.