الكتابة

كلنا فقراء

في صبيحة يوم من الأيام، استيقظ الشعب على خبر مفاده أن الحكومة في طريقها إلى إنشاء صندوقٍ لدعم الفقراء من السكان. وأعلنت الحكومة في حيثيات القرار أن خياماً ستُنصب في كل حي ليتمكن ممثلوها من مقابلة الناس والتأكد من وجود الفقراء وأن أعراض الفقر الحقيقية تظهر عليهم. شجعت الحكومة الجميع على إعداد قائمة مفصلة بحالتهم المادية واحتياجاتهم المستقبلية والمرور على تلك الخيام في حال كانوا عاجزين عن تلبية تلك الاحتياجات بأنفسهم.
استبشر الناس عند سماع الخبر وتهافتوا إلى الخارج ليتناقشوا في القرار وينتظروا الخيم المزمع اقامتها.
لكنهم تفاجأوا حين خرجوا من منازلهم في تلك الساعة المبكرة من الصباح أن خيمةً كبيرةً منصوبة في ساحة الحي تعلوها لوحةٌ عملاقةٌ للغاية مكتوب عليها: “للفقراء فقط” وتحتها بخط أصغر قليلا: “إذا كنت فقيراً فسارع بالتسجيل”.


يكاد يجزم جميع سكان الحي أن الخيمة لم تكن موجودة بالأمس، وأكد هذه المعلومة صعاليك الحي الذين قضوا ليلتهم في صخب ومجون وأقسموا بأغلط الأيمان أن الساحة كانت خاليةً من بعد منتصف الليل حين بدأت حفلتهم. هنا تحدث إمام المسجد وأكد ما قاله الصعاليك، وأكد أنه وأثناء ذهابه لصلاة الفجر كانت الساحة خالية من الخيمة، وحدج الإمامُ الصعاليكَ بنظرةٍ ساخطة لأنه صلى الفجر منفرداً بلا مأمومين بينما كانوا يفترشون الساحة نائمين بعد ليلتهم الصاخبة تلك.
ثم تقدم عامل النظافة بملابسه الصفراء الرثة ومكنسته التي لا يتركها أبداً، وأكد ما قاله الإمام والصعاليك بأن الساحة كانت خاليةً من بعد الفجر إلا من عبوات الشراب الفارغة وبعض المهملات التي تركها الصعاليك خلفهم بعد ليلتهم الصاخبة تلك، وحدجهم هو الآخر بنظرة جانبية لأن ما خلفوه وراءهم استهلك الكثير من وقته لتنظيفه.


ازدادت حيرة السكان ولم يفهموا كيف ومتى ظهرت الخيمةُ في حيّهم، وبينما هم في حيرتهم تلك نبههم أحد الأطفال إلى شخصٍ انسل من بين صفوفهم، رث الثياب، مطأطئ الرأس، يتأبطُ حزمةً من الأوراق ويسترق النظر حوله بريبة يمشي مسرع الخطى تجاه الخيمة، وحين ركز الناس قليلاً تفاجأوا بأنه أغنى أغنياء الحي.
راقب الناسُ الغني حتى وصل إلى الخيمة وأخذ يتحدث مع ممثلي الحكومة بانكسار، طال الحديث قليلاً ثم انتصب الغني في وقفته بعد أن كان مطأطئ الرأس، وأخذ يرغي ويزبد ويُقسم بأغلط الأيمان أنه فقير ورجع خائباً غاضباً تجاه صفوف الناس .


حينها كأن الناس انتبهوا من غفلة واستوعبوا أن عليهم الذهاب إلى الخيمة ليعترفوا بفقرهم ويستفيدوا من مساعدات الحكومة. فأخذوا يتسابقون جرياً تجاه الخيمة طمعاً في الوصول قبل الغير. لكنهم عندما وصلوا تفاجأوا بممثلي الحكومة يسألونهم عن حالهم وقوائم احتياجاتهم لتدرسها السلطات وتتأكد من كونهم فقراء ولم يكن الناس قد أعدوا العدة لمثل هذه الأسئلة فقفل كل شخص منهم مسرعاً إلى منزله ليناقش حاله واحتياجاته مع عائلته كما طلبها ممثلو الحكومة.


بدأ الأبناء بالحديث وقدموا قائمةً جاهزةً باحتياجاتهم كانوا يحتفظون بها تحت وساداتهم. ادعى الأبناء بأن هذه الاحتياجات دائماً ما كانت تقابل بالرفض، فقرروا هذه المرة رفعها إلى الحكومة. تسلم الآباءُ القائمة واستغربوا جهلهم المسبق بها لكنهم كتموا استغرابهم والتفتوا إلى زوجاتهم اللائي لم يكونوا يملكون قائمة مطالبات كقائمة الأبناء، بل عرضوا تقرير كشف الحال أظهروا فيه كل ما يعانونه في كل وقت وكل زمان. ازداد استغراب الأزواج من هذه القوائم الجاهزة التي خبأها الأبناء تحت مخداتهم والزوجات في أدراجهم وهم من كانوا يعتقدون أنهم يعيشون بسعادةٍ معهم. أخذ الآباء الأوراق من الأبناء والزوجات، وخرجوا مطأطئي الرؤوس من منازلهم تعلوهم خيبة الأمل تجاه عوائلهم يمشون تجاه الخيمة لا ينظر أحدهم إلى الآخر بل ينتظرون ممثلي الحكومة ليقرروا بأنهم فقراء.

التصنيفات :الكتابة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.