
كتاب البئر الأولى، فصول من سيرةٍ ذاتيةٍ للأديب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا نشرت لأول مرة في ١٩٨٦. والنسخة التي بين يدي من إصدار دار الآداب ٢٠٠٩ تقع في ٢١٦ صفحة.
يحكي جبرا في الكتاب عن سنوات حياته الأولى، تحديداً عن ذكريات الطفولة حتى سن الثانية عشر. ينقلنا فيه إلى بدايات القرن العشرين، تحديداً في بيت لحم، ونتنقّل معه من بيتٍ إلى بيت ومن مدرسةٍ إلى أخرى، ثم نعبر مع جبرا إلى مدينة القدس في بيت جديد ومدرسة جديدة. يتنوع سرد الذكريات في الكتاب، فمرة نجلس مع عائلة جبرا، ومرة نكون معه في الفصل الدراسي، وأخرى نجد أنفسنا في مغامرةٍ من المغامرات الكثيرة التي يحدثنا عنها. أحيانًا نتحاور مع أبيه، وأحياناً أخرى مع أحد أصدقاءه أو زملاء دراسته. ونكبر معه في تلك السنوات المبكرة ونكتشف معه عالم القراءة الجميل.
الكتاب هو مصافحتي الأولى لقلم جبرا إبراهيم جبرا (والذي كنت فيما مضى أحسبه جبران خليل جبران لكن بدون النون!!) والتي بالتأكيد لن تكون الأخيرة، فهذا الاكتشاف متأخر بالنسبة لي لهذا القلم الجميل.
من أكثر ما شدني في الكتاب، بالإضافة لجمال الأسلوب وسهولة تخيل ذلك الزمان والمكان، هو وصف جبرا لأبيه وتعامله مع أبناءه، ولا أجمل من ذلك الموقف حين تسبب جبرا بسقوط إطار السيارة في الوادي بينما كان يحاول مساعدة والده. جمال في الكلمة والوصف، وجمال في تعامل الأب مع ابنه.
ذكرتني هذه السيرة نوعاً ما بسيرٍ أخرى مماثلة، في مكان قريب وزمان متقارب، ذكريات علي الطنطاوي وطفولته في دمشق، سيرة حنا مينة ومعاناته وفقره في الاسكندرونة، ومذكرات ميخائيل نعيمة في بسكنتا على سفوح جبال لبنان. كلها في بدايات القرن العشرين، كلها في بلاد الشام (سوريا، لبنان، وفلسطين) كلها عانت الفقر باستثناء علي الطنطاوي، وكلها بأقلام أدبية جذابة.
التصنيفات :القراءة