ورقةٌ بيضاء أحاول التحايل عليها لأملأها بالكلمات، لكنها تأبى.
أود الحديث عن القراءة، عن آخر كتابٍ قرأته، أو عن ذلك الكتاب الذي لازلت مستمراً في قراءته. لكني لم أستطع الكتابة عن هذا ولا ذاك.
ترنح القلم في يدي وتململ، شعرت بعزوفه عن الكتابة. يريد بعض الراحة.
أخبرته بأنه عاطلٌ عن العمل منذ فترة، فقد تباعد العهد على آخر تدوينةٍ لنا هُنا لكنه لم يبالِ.

تزدحم الأفكار في رأسي، أحاول السيطرة عليها وتنظيمها لأعرف كيف أسرُدها على الورقِ فكرةً فكرة، لكنها لا تُبالي، تتدافع كل فكرةٍ إلى قلمي وتزدحم في طريق العبور إلى الورق لتحظى بالأولوية في الظهور لكن ازدحامهم يعيقهم فلا أعرف عن ماذا أكتب.
ثم تنسلُّ فكرةٌ من الزحام وتخرج من عالم الأفكار ذاك إلى عالم القلم والأوراق، لكنني حين أبدأ بالكتابة عنها أجدها فقيرةً شحيحةً لا تُنتج سوى جملةً أو جملتين، فأنهرُها وأعيدها من حيث جاءت وأجلس مرة أخرى عاجزاً عن كتابة أي شيئ.

ثم أنظر حولي، وأبحث ببصري عما يستحق الكتابة. مشاهدُ شحيحةٌ يعاف القلم التعبير عنها. سقفٌ غير مميز، جدران غير مبالية، أرضية باردة تشيح بوجهها عني، وأشياء أُخرى متناثرةٌ في الغرفة بغير نظام ولا اتساق يُمكّن القلم أن يجمعهم فيه. مكان غير ملهم.
ثم أنظر إلى تاريخ اليوم، الثاني من أغسطس، فأحاول أن أستشف منه حكايةً أكتبها، لكنني لا أجد. وأفتح الهاتف، لأبحث عن صورةٍ أشرحها، وأراجع شريط ذكريات اليوم، الأمس، قبل الأمس، لا شيء. وأبحث عن مخاوف الغد، آمال المستقبل، لا شيء.
وأخذت أنبش فيما يتهادى إلى سمعي من أخبار، حرب في روسيا وأوكرانيا، لا أبالي. حرب وشيكة بين الصين وأمريكا، لا أبالي. أسعار النفط انخفضت اليوم، أيضاً لا أبالي. مصالحةٌ هنا، تظاهرةٌ هناك، ذهبَ، جاءَ، وقّعَ، اتفقَ، اجتمعَ، ارتفعَ، اكتشفَ، أصدر.. أفعالٌ كثيرة فعلها الآخرون، ولكن.. لا أبالي.

أصابني الملل من هذا الحال، فوضعت القلم جانباً وأعدت الأوراق إلى مكانها، وخرجت من الغرفة تاركاً كل تلك الأفكار غير المكتملة والمشاهد غير الملهمة خلفي وأخذت أدندن بلحنٍ سمعته في مكان ما.