بعيداً عن القراءة

يوم ككل يوم

تنويه: التدوينة التالية هي محاولة للكتابة عن يوم حقيقي عادي جداً لا توجد فيه قصة تذكر أو أحداث مثيرة وليست متعلقة بالقراءة أو الكتب وليست حتى قطعة أدبية أنصح بقراءتها.


(الخميس ١١/٠٨/٢٠٢٢)

استيقظت متأخراً هذه المرة. يبدو أن المنبه ملّ من تنبيهي ومحاولة ايقاظي فشدّ اللحاف على نفسه وغط في نوم عميق. تركني وشأني، ولو نطق لقال: بُحّ صوتي!

متثاقلاً نهضت، بلا قهوة صباحية ولا ابتسامةٍ ايجابية. كيفما اتفق خرجت من المنزل بلا أمل في يوم مميز، بل يوم كغيره من أيام الأسبوع لابد من أن أقضي ثمانية ساعات في العمل. اليوم الخميس لم يعد بداية لنهاية الأسبوع، بل أصبح كغيره من الأيام، الانتظار انتقل ليوم الجمعة المجيد.


الطريق إلى العمل لا يستغرق أكثر من خمسة عشر دقيقة. لا ازدحام ولا شيء يذكر، في الصيف الكل مسافر، والشوارع هادئة. اشارات مرورية، هذه تدعوك للمرور وتلك تشير لك لتقف. وبين هذه وتلك يمر الوقت رتيباً، حتى أقترب من مواقف العمل. المكان الذي أركن فيه سيارتي يشير في الغالب وقت وصولي لمقر العمل. فإنت كنت من القريبين جداً من المبنى فأنا من المبكرين جداً، وإن كانت سيارتي بعيدة للغاية، فأنا بالتالي متأخر للغاية. أما اليوم، فسيارتي بعيدة للغاية، والسبب أعلاه في أول سطور المقال.

نزلت من السيارة متجهاً إلى المبنى، في العادة أحمل معي إفطاري، لكنني اليوم وبسبب التأخير ذهبت خالي اليدين. سأتدبر أمر الإفطار لاحقاً. وقفت عند المصعد (والذي بالمناسبة أستغرب من تسميته ب(مصعد) عند استخدامه للنزول)، انتظرت قليلاً حتى وصل. يقف إلى جانبي موظفون آخرون، لا يُسمح لأكثر من ستة أشخاص باستخدام المصعد في نفس الوقت. إجراء مستحدث بسبب الجائحة التي لا تنتهي.

أحيانًا أتساءل وأنا في طريقي إلى الأعلى، كيف سيكون شكل الحياة بلا مصاعد؟ بالتأكيد لن أعمل حينها في الطابق الثلاثين. ولن تكون هناك ناطحات سحاب. وسيتوسع العمران أفقياً، وقد يقل التسارع الاقتصادي بسبب قلة الأشخاص الذين قد تحتويهم أي مدينة، وغيرها الكثير من التوقعات التي لا يبدو المقام مناسباً لذكرها.

حين يصل المصعد إلى الطابق المنشود بسلام، ينفتح الباب ويتردد الصوت الآلي معلناً عن رقم الطابق. باللغتين العربية والإنجليزية. أتساءل مرةً أخرى عن جدوى مثل هذه الإرشادات الآلية وتكرارها. هل هناك من يستمع إليها؟
خرجت من المصعد وتركته ليوصل الموظفين الآخرين إلى طوابقهم. دائماً ما أتخيل حين يتكرر هذا الفعل كل صباح بآلية مملة أنني في وسط فيلم خيال علمي، أو رواية عن المستقبل الكئيب حين يتحول الجميع إلى آلات، في هذا المقام، أتخيل رواية جورج أورويل الشهيرة ١٩٨٤.


يقع مكتبي في أبعد نقطة في الطابق على اليسار، لذلك أضطر إلى المرور بجانب مكاتب الآخرين حتى أصل إلى هناك، ومكتبي بالمناسبة يحظى بإطلالة جميلة نوعاً ما. وبسبب حضوري المتأخر أستطيع ملاحظة أن الجميع موجود. أول المكاتب على اليمين خاصة بالمتدربين والموظفين الجديد، تستطيع القول من مشهد المكاتب الخالية أنهم جميعاً في إجازة، ملاحظة بديهية بما أننا في فصل الصيف. ثم يأتي مكتب المدير، هناك عند النافذة، يبدو منغمساً في محادثة ما. في العادة لا ألقي عليه السلام حتى لا أحظى بأي مهام وظيفية غير متوقعة في هذا الصباح الباكر. لن يبالي. أمامه مكتب (إداري أول)، موظفة لا أعلم حقيقة ما هي وظيفتها لكنها من يرسل دعوات الاجتماعات باسم المدير، وهي من يذكرنا بتسليم التقرير الأسبوعي. عدا ذلك لا أعلم ماذا تفعل.

المكاتب الستة التي تلي مكتب المدير وأنا أمشي جهة مكتبي هي للقسم “المجاور” لقسمنا. قد يكون معدل أعمار هذا القسم هو الأكبر سناً هنا، بعضهم تجاوز الستين، وأصغرهم في بداية الأربعين. لا أعلم ما السر، فيبدو أن الخبرة مهمة ومطلوبة للغاية هنا. بعد ذلك أكون قد وصلت إلى مكتبي، لكن ليس قبل أن أمر بجانب مكاتب زملائي الآخرين في نفس الفريق، أغمغم بالسلام بلا حماس، وأذهب لأجلس على مكتبي.


لا يوجد الكثير لأحكيه عن الثمان ساعات التي قضيتها في المكتب. قد تكون مملة لك عزيزي القارئ، بل قد تكون أكثر مملاً من مشوار الصباح المذكور أعلاه. لكن لا يمنع بما أنك وصلت إلى هنا أن أعطيك لمحة عما أفعله عادة في العمل. تنحصر مهمتي ومهمة الفريق الذي معي بالتأكد من توفر وجودة البيانات التي قد يسأل عنها سائل أو مدير في يوم ما في المجال الذي نعمل فيه. الكثير من الأرقام، البيانات، الرسومات البيانية ، مؤشرات قياس الأداء، تقارير أسبوعية، تقارير شهرية، وغيرها . أحيانًا حين أنغمس بين تلك الأرقام والمؤشرات يقفز لي سؤال من حيث لا أدري عن معنى الحياة.

كان اليوم عادياً، لا يميزه سوى الاجتماع الشهري المزمع اقامته عند العاشرة صباحاً. تقريباً أكثر من مئة شخص من مختلف القطاعات لمراجعة تقارير الشهر الماضي ومناقشتها على الملأ (شكراً Microsoft Teams). مع أن دورنا في الاجتماع محدود للغاية (شريحة عرض واحدة) لكنه يبقى اجتماعاً غير مرحب به . وحتى لا أطيل عليك كثيراً فقد تم إلغاء الاجتماع قبل أن يبدأ بعشر دقائق وتم جدولته في يوم آخر.

كثرة الاجتماعات تزعجني، أشعر أنها طريقة رسمية يستغلها البعض لإضاعة الوقت أو للتواصل الإجتماعي. الأدوات التقنية الحديثة جعلت الاجتماعات من أسهل ما يكون، فبمجرد ضغطة زر تستطيع أن تجتمع بأكثر من مئة شخص. وقد يحدث وأنت في غمرة انشغالك أن يدعوك شخص لا تعرفه لاجتماع لا ناقة لك فيه ولا جمل، ثم تكتشف أنك مدعو بالخطأ – بسبب تشابه الأسماء على ما يبدو – ثم يطردك هؤلاء الغرباء من الإجتماع – بعد أن يعتذر منك أحدهم ولا تعلم من هو – بكل احترام.


لنعتبر أن يوم العمل هذا انتهى، وأن ما حدث أثناء العمل لا يستحق الكتابة، حسناً، الساعة الآن الرابعة مساءاً وأنا في طريقي نحو المصعد (الذي سأستخدمه للنزول)، أغلب الموظفين الذين حدثتك عنهم صباحاً قد رحلوا – المدير، الإداري الأول، قسم كبار السن، زملائي في الفريق – ومكاتبهم خالية. ساعات العمل عندنا مرنة، تستطيع القدوم في فترة زمنية معينة في الصباح، وحين تستكمل الساعات المطلوبة ترحل، في حالتي اليوم، جئت متأخراً، وسأرحل متأخرا، وكل من جاء قبلي قد رحل.

بالطبع لا وجبة غداء. مؤخراً أصبحت أتجاوز عن وجبة الغداء، تقريباً من بعد شهر رمضان، ولكن ذلك لم ينعكس بشكل كبير على الوزن، قد يكون السبب إهمالي ممارسة الرياضة.

طريق العودة إلى البيت مشابه لطريق الذهاب، لا تغيير، خمسة عشر دقيقة، إشارات تفتح الطريق وأخرى تدعوك لتتوقف. وصلت البيت، لا يوجد روتين معين أتبعه، وبما أنني لا أملك أية التزامات اليوم فقد قررت أن أكمل متابعة فيلم (Free Guy)، والذي لم يعجبني صراحةً. قد يدعي الفيلم العمق وتكثر فيه الرمزية عن الحياة وغيرها، لكنني وجدته مملاً ومليئا بإحالات متعلقة بعالم الألعاب والتقنية، قد يكون الفيلم مناسباً لفئة عمرية أصغر، لا أدري.

بعد الفيلم خرجت من المنزل مرة أخرى، توجهت إلى المركز التجاري (المول)، قضيت الوقت بين المغرب والعشاء في التجول، اشتريت بعض المكسرات (فول سوداني تحديداً)، وذهبت لألقي نظرة على الشاشات المخصصة للألعاب، لم أجد شيئاً مميزاً سوى الأسعار المرتفعة.

خرجت من المول، وأنا في طريقي إلى البيت مررت لأشتري بعض السندويشات للعشاء، وتقريباً انتهى اليوم هكذا.


تابعت بعض الفيديوهات على اليوتيوب الخاصة بالكرة وانتقالات اللاعبين.
لم يكن هناك وقت للقراءة (أو لم أسعى للقراءة)،
ولم أكتب هذه التدوينة سوى في اليوم التالي.

هكذا كان اليوم باختصار، وأقدر لك عزيزي القارئ وصولك حتى هذا السطر.

التصنيفات :بعيداً عن القراءة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.