
انتهيت بالأمس من قراءة رواية ماكيت القاهرة ل طارق إمام، وهي رواية دخلت القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2022
في العادة، لو قرأت رواية ما ولم تعجبني فإنني لا أتحدث عنها، أكتفي بتقييمها بنجمة أو نجمتين على goodreads. لكن رواية طارق إمام هذه استفزتني كثيراً لدرجة أنني تشجعت لكتابة تدوينة عنها. ليست هذه قراءتي الأولى لطارق إمام بالطبع، قرأت له سابقاً مدينة الحوائط النهائية (مجموعة قصصية). وكانت أفضل من هذه بكثير.
لكن، بحكم أن هذه الرواية تم ترشيحها للقائمة القصيرة، وبحكم كتابتي لرواية جديدة الآن (وهو بالتأكيد خبر يسعد معشر القراء الكرام)، وبحكم قراءتي واستماعي للكثير من المواد المتعلقة بالكتابة عموماً والكتابة الإبداعية على وجه التحديد، فقد قررت أن أكتب عما أزعجني فيها.
بدايةً من العنوان “ماكيت القاهرة”، والذي حتى وصلت إلى آخر صفحة في الرواية لم أفهم معنى ماكيت “استنتجت من السياق انها تعني نموذج مصغر” ، ولا أعلم حقيقة إن كانت هذه الكلمة بالذات تُستخدم في العربية هكذا “ماكيت” أم أنها لغة دراجة. نصيحة: حاول أن تختار عنواناً باللغة العربية.
ثانياً، أسماء الشخصيات. يوجد ثلاثة أبطال في الرواية (بلياردو، نود، أوريجا)، بالإضافة إلى (المسز). بالرغم من حجم الرواية الذي تجاوز ال400 صفحة بصفحتين، إلا أنني لم أستسغ هذا الأسماء، وشعرت بشذوذها طوال قراءتي للنص وهذا شيء غريب، فالطبيعي أن تتعود على الأسماء مهما كانت الأسماء غريبة، لكن يبدو أن هذه الأسماء لم تكن كذلك. نصيحة: اختر أسماءً متناسبة مع الرواية.
ثالثاً، القصة معقدة جداً ، هل شاهدت فيلم inception ل دي كابيرو؟ حسناً، هذه الرواية نسخة رديئة منه. يقول حنا مينه في كتابه هواجس في التجربة الروائية:
إن كل كاتب يحتاج إلى قارىء ، ثم ما قيمة الكاتب دون قاريء ؟ قد لا أدعو إلى كتابات يفهمها القارىء العادي ، لكنني أدعو إلى كتابة يفهمها القارىء المثقف على الأقل .
نصيحة: اكتب ببساطة.
رابعاً، الحوارات بين الشخصيات فلسفية للغاية، وأحياناً فارغة للغاية (يوجد مثالين في نهاية المقال). أتساءل: ما المغزى من حوار لا يفهمه القارئ العادي ويكون مليئاً بالفلسفة؟ تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ هذه الرواية وأحاول جاهدا استيعاب أحداثها وفلسفة شخصياتها، ما كتبه حنا مينه في نفس الكتاب:
“أداة التوصيل المثلى هي البساطة . أقول البساطة لا التبسيط ، ومعنى هذا أننا يمكن أن نكتب بأرقى لغة ممكنة ، وأكثرها شاعرية ، ونظل نحافظ على البساطة التي لا يجيدها إلا المبدعون الحقيقيون”
حنا مينة – هواجس في التجربة الروائية
نصيحة: اكتب حوارات طبيعية مفهومة
خامساً، الرواية مليئة بالفانتازيا والتي أشعر أنها أُقحمت في النص لسد ثغرات الحبكة. صحيح أن الرواية خيالية نوعاً ما، لكن القصة نفسها غير متماسكة، تشعر معها بالتيه طوال فصولها، ثم تعود لنفس النقطة التي تهت فيها سابقاً ليُعيدها الكاتب ولكن بطريقة أخرى تزيد الطين بلة! نصيحة: لا تهرب من أخطاءك بالفانتزيا والخيال، واجه نصك وحاول أن تجعله متماسكاً.
سادساً، اقحام الكثير من المصطلحات الغير عربية (لفظة اجنبية لكنها دارجه بالعربية ك موبايل او بازل مثلا)، او حتى الأجنبية (بحروف أنجليزية مثل making-of او غيرها ترد في سياق جملة عربية ). أتساءل، اذا كانت الرواية موجهة للجمهور العربي، فما القيمة الأدبية التي قد تضيفها هكذا نصوص؟ لا أطالب طبعاً بلغة فصيحة، لكن بلغة تحترم القارئ العربي. بعض الحوارات في الرواية تشبه تماماً حواراً تجريه مع شخص خريج “مدارس خاصة أجنبية” لا تسعفه لغته العربية ليعبر عن مقصده فيُقحم الكلمات الأجنبية في نصه ليتمكن من التعبير عن نفسه. نصحية: اكتب بالعربية.
سابعاً، كتابة حوار أو نص على لسان أحد الشخصيات لا يمنح الكاتب الحق ليقول أي شيء او “يهبد” بأي شيء.
لو أعجبتك الاقتباسات أدناه من الرواية وهي حوارات على لسان شخصياتها، فلا تتردد في اقتناءها:
– بالمناسبة، ما يرعب في المتاهة ليس فكرة التيه، بل انتفاء التمايز. يحبطني أن الناس يخافون دون أن يستطيعوا حتى معرفة سبب خوفهم. المتاهة خلية مركزية، تتكرر عدداً غير نهائي من من المرات، هذا التماثل هو عينه رعب الإنسان الذي يشكل مفهومه للأمان استناداً إلى نفي التطابق، بدءاً من اللغة، فلا دلالة دون حروف مختلفة، تشكل كلمة، ثم كلمات مختلفة تشكل جملة، ثم جمل مختلفة تشكل كلاماً أو نصاً. والقانون نفسه يمتد، ليشمل الموجودات والزمن والمكان .. تخيل لو أن الأشخاص جميعهم أنت أو كل البيوت بيتك. رعب المتاهة هو نفي اللغة.
– تبدو المحاكاة في ظاهرها نوعاً من الدونية تجاه شخص آخر، يملك هو النموذج الأصلي، ولا تفعل أنت سوى اقتفاء خطواته أو تأكيد ذاته، والرجوع بذاتك خطوات للوراء. لكن، ما لا يدركه الكثيرون، أن المحاكاة فعل ينطوي، في جوهره، على قدر هائل من التعالي، ذلك أن الهدف الأعمق منه نفي الفرادة، تأكيد أن نموذجاً ما قابل لأن يتحول ببساطة لمحض نسخة من بين نسخ أخرى، يستحيل معها حتّى التعرف على الباترون الأصلي. أستطيع أن أقول إن المحاكاة، وفق هذا التصور، هي أحد أشكال الانتقام.
رواية ماكيت القاهرة، تأليف طارق إمام. عدد صفحاتها 405 صفحة. من اصدار منشورات المتوسط 2021، رُشحت للقائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية 2022.
التصنيفات :القراءة
حشر كلمات أجنبية أو عامية و أفكار مستفزة صارت موضة لمن يريد الشهرة و الرواج على حساب اللغة العربية و القارىئ. لا تستغرب إذا وصلت الرواية إلى القائمة القصيرة!