الهروب

هاتفني، فأخبرته أنني أنتظره في الخارج على قارعة الطريق، أخبرني أنه سيكون هنا خلال عشر دقائق، لم أره منذ زمن، ولم تُتح لنا فرصة الحديث على انفراد كذلك منذ زمن، يأكلني القلق، وتأكلني العجلة، أريد الهروب من هذا العالم بأسرع ما يمكن، دقائق الانتظار العشر، هي سنوات عشر، أجهل كيف ستمر، ها هو يقترب من بعيد، بسيارته التي ما عرفته إلا بها، رحب بي مبتسماً كعادته، ركبت معه وانطلقنا، سألني: إلى أين الوجهة؟ أخبرته: أود الذهاب إلى المجهول. نظر لي صامتاً ثم انطلق، المجهول بالنسبة لنا معلوم، انطلق بسيارته كأنها تسابق الريح، لكنها لسوء حظي كانت كعربةٍ يجرها حصان، بطيئة في مشيها، يهتز كل جزء من أجزاءها. سألته – حين توهمت صوت الريح إلى جانبي- هل الباب على ما يرام؟ أجابني بأنها مشكلة فنية لا تدعو للقلق. أحسست بصوت الشارع من تحتي. سألته: هل الإطارات على ما يرام؟ أجابني بأنها جديدة لكنها تحتاج إلى بعض الصيانة. فجأة سمعت تحذيراً يخرج من الشاشة أمامه. سألته: أكل شيء على ما يرام؟ أجابني: الإضاءة الأمامية تحتاج إلى تعديل يدوي، هي لا تعمل الآن، ثم أخذ يردد، كل شيء على ما يرام! مع كل هذا الخلل في سيارته يرى أن كل شيء على ما يرام. لابد لي أن أتعلم الطمأنينة منه. مضيت معه بسيارته بكل ما فيها من عِللٍ إلى المجهول، قطعنا الساعات بصمت، كأنني أتخيل الأسئلة الكثيرة تحاول الخروج منه، لكنه كعادته لا يسأل. كان الظلام مخيماً في الخارج، في ليلة مظلمة حالكة السواد، غاب عنها القمر، كل ما فيها كان تلك الإضاءة البرتقالية الكئيبة التي تضيء الشارع، وبعض السيارات، لا أظن أن أحداً يلاحقُنا، أظن أنني أهرب من نفسي، من لا أحد، لكنني متأكد من وجود من يلاحقني، تقترب الساعة من منتصف الليل، وها نحن نقترب من المجهول لعل وعسى ينقذني مما أنا فيه.

الصفحة الأخيرة من رواية حارس المنارة