لا أسأل هنا من باب جذب الانتباه أو لأمنحك إجابات عن فوائد تعلم اللغة العربية، ولن أدعي المثالية وأنصحك بتعلم اللغة العربية وتعليمها للآخرين، سؤالي هنا طلباً للجواب، ماذا نستفيد بالفعل من تعلم اللغة العربية؟
قد يكون لسؤالي هذا علاقة بالموقع الجغرافي الذي أكتب منه، أو له علاقة بالمهنة التي لا تستفيد من قريب ولا من بعيد من اللغة العربية، لكن سبب السؤال تحديداً هو سعيي لتعلم لغة أجنبية – الفرنسية على سبيل المثال – ومحاولتي بالمثل التفكير في طريقة لتعليم الآخرين اللغة العربية. لكن حينها طرأ على ذهني سؤال، ماذا سيستفيد الآخر لو تعلم اللغة العربية؟
في وقتنا الحاضر، لو تعلمت الفرنسية، أو الألمانية، أو حتى الإنجليزية، فأنت تفتح آفاقاً جديدة لقراءاتك وثقافتك والكنوز المعرفية التي تستطيع الاطلاع عليها والاستفادة منها في حياتك الحاضرة، في المقابل، لو تعلم شخص ما – لنفترض أنه فرنسي أو ألماني – اللغة العربية وأتقنها فقطعاً لن يفتح لنفسه أفاقاً جديدة في حياته المعاصره لا ثقافياً ولا عليماً ولا حتى مهنياً.
قد يقول قائل، أن تعلم العربية ضرورة لقراءة القرآن وفهم معانيه، وهذه نقطة لا خلاف عليها، ولكن اللغة لا تنحصر بالدين فقط، بل تشمل في الغالب كل مناحي حياة الإنسان.
هل سيتمكن متعلم اللغة العربية حديثاً من إجراء حوارات مع العرب في مختلف الدول؟ قطعاً لا، فلابد له من معرفة اللهجات المحلية المختلفة واتقان أي منها ليتمكن من التواصل مع الآخر بدون أن يتعرض للسخرية.
حتى الأطفال، قد يكون تعلم لغة أجنبية كلغة أم أو أساسية أكثر منطقية من تعلم العربية في عصرنا الحالي. بالأمس، وبينما كنت أتصفح أحد وسائل التواصل الاجتماعي، وقع نظري على فيديو لفتاة صغيرة – في اعتقادي لم تتجاوز الخامسة من عمرها – تسرد ما تعلمته من حروف، بالعربية والانجليزية، ت تفاحة، A Apple ، ج جمل، C Camel, هل نستطيع الجزم أن هذه الحالة طبيعية وصحية؟ . هل نقول بأنها لو اكتفت باللغة العربية ستكون في حال أفضل؟ أو لو أنها تعلمت الانجليزية فقط لكانت في وضع أفضل بكثير من تشتتها بين لغتين؟ كيف ستعبر عن نفسها غداً في ظل هذا القاموس المزدوج من الكلمات؟ ماذا ستفعل حين تتعلم القواعد اللغوية لاحقاً، العربية والانجليزية؟ أي القواعد ستكون أكثر منطقية بالنسبة لها وأيها ستتقبلها كضبط افتراضي؟
نشتكي في كثير من الأحيان من عدم قدرة الجيل الجديد على التعبير عن نفسه بلغة عربية سليمة؟ إذا كان هذا الجيل – واقعياً – ليس في حاجة للغة العربية، لماذا تكبدوا عناء تعلمها – بالاضافة للغة أجنبية أخرى؟ لماذا لا يكتفوا بتعلم اللغة الأجنبية ذاتها، الانجليزية في الخليج، الفرنسية في المغرب، وبلاد الشام ومصر تتخير بين هذه وتلك. إذا كانت – اللغة العربية – في الحقيقة لن تكون قيمة مضافة في حياتهم، ولن يكون لها وجود ضروري، فسينتهي بهم الحال كالغراب الذي أضاع مشيته.
أشعر أن ازدواجية اللغة أضاعت الكثير من العقول السليمة، وشتت علوماً عربية كثيرة، وأثرت نفسياً في أجيال كاملة، وقد لا أبالغ القول أنها سببت العديد من الأمرض النفسية، لا أملك إحصائية بذلك، ولا أملك أي دليل على ما أقول، هو مجرد شعور. ازدواجية اللغة كذلك شتتت العرب وجعلتهم على طرفي نقيض، متطرف يتشبث باللغة بكل ما كان فيها ينفصل بها عن واقعه، ومتطرف آخر يهوى اللغات الأخرى ويرى فيها كل معاني الحياة والفن الجمال وهو بالتالي ينفصل عن تراثه وعن أصله وعن كل ما يشكل هويته ووجوده، هل يوجد طرف آخر متوسط؟ لا أدري، ولا أعرف.
التصنيفات :بعيداً عن القراءة